فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السعدي:

يخبر تعالى عن كفر النصارى بقولهم: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} بشبهة أنه خرج من أم بلا أب، وخالف المعهود من الخلقة الإلهية، والحال أنه عليه الصلاة والسلام قد كذبهم في هذه الدعوى، وقال لهم: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} فأثبت لنفسه العبودية التامة، ولربه الربوبية الشاملة لكل مخلوق.
{إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ} أحدا من المخلوقين، لا عيسى ولا غيره. {فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} وذلك لأنه سوى الخلق بالخالق، وصرف ما خلقه الله له- وهو العبادة الخالصة- لغير من هي له، فاستحق أن يخلد في النار.
{وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} ينقذونهم من عذاب الله، أو يدفعون عنهم بعض ما نزل بهم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)}.
سَقِمَتْ بصائرهم والتبست عليهم أمارات الحدوث، فخَلَطُوا في عقائدهم استحقاقَ أوصافِ القِدَمِ بنعوت الحدوث!. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}.
وهناك ثلاث آيات تتعرض لهذه المسألة: {لَقَدْ كَفَرَ الذين قالوا إِنَّ الله هُوَ المسيح ابن مَرْيَمَ}. والآية الثانية: {لَّقَدْ كَفَرَ الذين قالوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} [المائدة: 73].
والآية الثالثة: {وَإِذْ قَالَ الله يا عيسى ابن مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} [المائدة: 116].
إذن فالخلاف في المسألة جاء على ثلاث صور:
طائفة تقول: المسيح هو الله. وطائفة تقول: إن المسيح هو إله مع اثنين آخرين. وطائفة تقول: إن المسيح هو وأمه إلهان. ولكل طائفة رد. والرد يأتي من أبسط شيء نشاهده في الوجود للكائن الحي، فالإنسان- كما نعرف- سيد الكون والأدنى منه يخدمه. فالإنسان يحتاج إلى الحيوان من أجل منافعه، وكذلك يحتاج إلى النبات والجماد، هذا السيد- الإنسان- يحتاج إلى الأدنى منه. والحق سبحانه وتعالى أراد أن يرد على تأليه سيدنا عيسى وسيدتنا مريم، فقال: {كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام} [المائدة: 75].
وهذا استدلال من أوضح الأدلة، لا للفيلسوف فحسب ولكن لكل المستويات، فماداما يأكلان الطعام فقد احتاجا إلى الأدنى منهما. والذي يحتاج إلى الأدنى منه لا يكون الأعلى ولا هو الواحد الأحد. والمتبعون لهذه الفرق الثلاثة مختلفون.
والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ} وكلمة {ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} تستعمل على أنه واحد من ثلاثة لكنه غير معين. فكل ثلاثة يجتمعون معًا، يقال لكل واحد منهم إنه {ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ}. وليس هذا القول ممنوعًا إلا في حالة واحدة، أن نقول: ثالث ثلاثة آلهة؛ لأن الإله لا يتعدد. ويصح أن نقول كلمة: «ثالث اثنين» لأن الله يقول: {مَا يَكُونُ مِن نجوى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة: 7].
إذن فمن الممكن أن نقول: هو رابع ثلاثة، أو خامس أربعة أو سادس خمسة. وهو الذي يصير الثلاثة به أربعة أو يصير الأربعة به خمسة أو يصير الخمسة به ستة. إننا إن أوردنا عددًا هو اسم فاعل وبعد ذلك أضفناه لما دونه، فهذا تعيين بأنه الأخير. فإن قال قائل: الله رابع ثلاث جالسين فهذا قول صحيح. لكن لو قلنا إنهم آلهة. فهذا هو المحرم، والممنوع؛ لأن الإله لا يتعدد.
ويلاحظ أن الحق لم يقل: ما يكون من نجوى اثنين إلاّ هو ثالثهم؛ لأن النجوى لا تكون إلا من ثلاثة، فإن جلس اثنان معًا فهما يتكلمان معًا دون نجوى؛ لأن النجوى تتطلب ألا يسمعهم أحد. والنجوى مُسَارَّةَ، وأول النجوى ثلاثة، ولذلك بدأها الحق بأول عدد تنطبق عليه. فإن قلت: «ثالث ثلاثة» فهذا قول صحيح إن لم يكونوا ثلاثة آلهة.
والحق أراد أن يدفع هذا القول بالبطلان حين قال: {كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام}.
والطعام مقوم للحياة ومعطٍ للطاقة في حركة الحياة؛ لأن الإنسان يريد أن يستبقي الحياة ويريد طاقة، والطعام أدنى من الإنسان لأنه في خدمته، فإذا ما كانا يأكلان الطعام فهما في حاجة للأدنى. وإن لم يأكلا فلابد من الجوع والهزال.
ولذلك فهما ليسا آلهة. بعضهم يقول: {كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام} هي كناية عن شيء آخر هو إخراج الخبث. ونقول: ليس إخراج الخبث ضروريًا لأن الله سيطعمنا في الجنة ولا يخرج منا خبث. فهذا ليس بدليل. ويرتقي الحق مع الناس في الجدل، فاليهود قالوا في المسيح عليه السلام ما لا يليق بمكانته كنبي مرسل وقالوا في مريم عليها السلام ما لا يليق باصطفائها من الحق.
واليهود إذن خصوم المسيح. وأنصار المسيح هم الحواريون! فإذا كان لم يستطع أن يصنع من خصومه ما يضرهم ولا مع حوارييه ما ينفعهم فكيف يكون إلهًا؟ والنص القرآني يقول عن مريم: {يامريم اقنتي لِرَبِّكِ واسجدي واركعي مَعَ الراكعين} [آل عمران: 43].
والمسيح نفسه كان دائمًا مع الله خاشعًا عابدًا. والذي يعبد إنما يعبد من هو أعلى منه؛ فالإله لا يعبد ذاته. وإذا كان هذا قول من ينتسبون إلى السماء إيمانًا بإله وإيمانًا بمنهج، فماذا عن قول الذين لا ينتسبون إلى السماء من الملاحدة الذين ينكرون الأولوهية؟
إذن كان من الواجب أن يؤمن المنسوبون إلى السماء بواسطة مناهج وبواسطة أنبياء وأن يصفوا هذه المسائل فيما بينهم. وعلى سبيل المثال كان العالم موجودًا ومدارًا قبل المسيح فمن إذن كان يدير العالم من قبل ميلاده؟ ولذلك أراد الحق سبحانه جل جلاله أن يحسم الموقف. والقرآن يعلمنا: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [سبأ: 24].
أيمكن أن يكون المتناقضان محقين؟ لا؛ لأن أحدهما لابد أن يكون على هدى ولابد أن يكون الآخر على ضلال. ولذلك نقول: كلامكم لا يلزمنا وكلامنا لا يلزمكم. ونفوض الأمر إلى الإله الذي نؤمن به. وحتى نصفي هذه المسألة نذكر قول الحق: {نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ الله عَلَى الكاذبين} [آل عمران: 61].
ونقول: اجعل لعنتك على الكاذبين. حتى تخرجنا من هذا الخلاف ولا تجعل واحدًا منا يسطير على الآخر، فأنت صاحب الشأن، فها نحن أولاء بأنفسنا ونسائنا وأولادنا ندعو دعاءً واحدًا: اجعل لعنة الله على الكاذبين منا. وما تلاعن قوم وابتهلوا إلا وأظهر الله المسألة في وقتها. ولم يقبل أحد من أهل الكتاب هذه المباهلة. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
أخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب قال: لما رفع الله عيسى ابن مريم اجتمع من علماء بني إسرائيل مائة رجل، فقال بعضهم: أنتم كثير نتخوف الفرقة، اخرجوا عشرة فاخرجوا عشرة، ثم قالوا: أنتم كثير نتخوف الفرقة، اخرجوا عشرة فاخرجوا عشرة، ثم قالوا: أنتم كثير فاخرجوا عشرة فاخرجوا عشرة، ثم قالوا: أنتم كثير فاخرجوا عشرة حتى بقي عشرة، فقالوا: أنتم كثير حتى الآن فاخرجوا ستة وبقي أربعة، فقال بعضهم: ما تقولون في عيسى؟ فقال رجل منهم: أتعلمون أنه لا يعلم الغيب إلا الله؟ قالوا: لا. فقال الرجل: هو الله كان في الأرض ما بدا له، ثم صعد إلى السماء حين بدا له. وقال الآخر: قد عرفنا عيسى وعرفنا أمه هو ولده، وقال الآخر: لا أقول كما تقولون، قد كان عيسى يخبرنا أنه عبد الله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم، فنقول كما قال لنفسه، لقد خشيت أن تكونوا قلتم قولًا عظيمًا. قال: فخرجوا على الناس فقالوا لرجل منهم: ماذا قلت؟ قال: قلت هو الله كان في الأرض ما بدا له ثم صعد إلى السماء حين بدا له. قال: فاتبعه عنق من الناس وهؤلاء النسطورية واليعقوبية، ثم خرج الرابع فقالوا له: ماذا قلت؟ قال: قلت هو عبد الله روحه وكلمته ألقاها إلى مريم، فاتبعه عنق من الناس فقال محمد بن كعب، فكل قد ذكره الله في القرآن {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة...} الآية. ثم قرأ {وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا} [النساء: 156] ثم قرأ {ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا} [المائدة: 65] إلى قوله: {منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون} [المائدة: 66] قال محمد بن كعب: فهؤلاء أمة مقتصدة، الذين قالوا: عيسى عبد الله وكلمته وروحه ألقاها إلى مريم.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} قال: النصارى يقولون: {إن الله ثالث ثلاثة} وكذبوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: تفرق بنو إسرائيل ثلاث فرق في عيسى، فقالت فرقة! هو الله. وقالت فرقة: هو ابن الله. وقالت فرقة: هو عبد الله وروحه، وهي المقتصدة، وهي مسلمة أهل الكتاب.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} قال: قالت النصارى: إن الله هو المسيح وأمه، فذلك قوله: {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} [المائدة: 116].
قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن هلال الدمشقي، حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال: قال أبو سليمان الداراني: يا أحمد- والله- ما حرك ألسنتهم بقولهم ثالث ثلاثة إلا هو، ولو شاء الله لأخرس ألسنتهم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (73):

قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما انقضى هذا النقض، وقدمه لأنه كما مضى أشد، أتبعه إبطال دعوى التثليث بقوله مبدلًا من تلك النتيجة نتيجة أخرى: {لقد كفر الذين قالوا} بجرأة على الكلام المتناقض وعدم حياء {إن الله} أي على ما له من العظمة التي منها الغنى المطلق {ثالث} أي واحد {ثلاثة} أي كلهم آلهة، وأما القائل بأنه ثالث بالعلم فلا يكفر.
ولما أعلم بكفرهم، أشار إلى إبطاله كما أشار إلى إبطال الأول كما سلف بما لا يخفى على أحد، تحقيقًا لتلبسهم بمعنى الكفر الذي هو ستر ما هو ظاهر فقال: {وما} وأغرق في النفي كما هو الحق واقتضاه المقام فقال: {من إله إلا إله واحد} أي قالوا ذلك والحال أنه لا يصح ولا يتصور في العقل أن يكون الإله متعددًا لا تحقيقًا ولا تقديرًا بوجه من الوجوه، لا يكون إلا واحدًا بكل اعتبار، وهو الله تعالى لا غيره، وقد بين عيسى عليه السلام في الإنجيل الذي بين أظهرهم أنه لا يصح أن يكون الإله إلا واحدًا- بالمعتمد من أدلة ذلك عند محققي أهل الأصول وهو برهان التمانع المشار إليه في كتابنا بقوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء: 22] فقال مترجمهم في إنجيل متى: حينئذ أتى إليه- أي عيسى عليه لاسلام- بأعمى أخرس له شيطان، فأبرأه حتى أنه تكلم وأبصر، فبهت الجمع كلهم وقالوا: لعل هذا هو ابن داود! فسمع الفريسيون فقالوا: هذا لا يخرج الشياطين إلا بباعل زبول رئيس الشياطين، فلما علم مكرهم قال لهم: كل مملكة تنقسم على ذاتها تخرب، وكل مدينة أو بيت ينقسم لا يثبت، فإن كان الشيطان يخرج الشيطان فقد انقسم فكيف يقوم ملكه؟ فإن كنت أنا أخرج الشياطين بباعل زبول فأبناؤكم بما تخرجونهم! من أجل هذا هم يكونون عليكم، وإن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين فقد قربت منكم ملكوت الله، وكيف يستطيع حد أن يدخل بيت القوي ويخطف متاعه إلا أن يربط القوي أولًا، حينئذ ينهب بيته.